مع اقتراب عيد الأضحى، تعود أسعار اللحوم الحمراء إلى الارتفاع بشكل يثير القلق في عدد من الأسواق المغربية، ما يُنذر بضغط إضافي على القدرة الشرائية للمواطن، خاصة في ظل أزمة معيشية خانقة وتداعيات متراكمة لسنوات من الجفاف وغلاء الأسعار.
ورغم تدخلات رسمية وإعلانات حكومية متكررة بشأن مراقبة السوق، إلا أن وتيرة الغلاء لا تهدأ، ما يطرح تساؤلات مشروعة حول الأسباب الحقيقية وراء هذه الزيادات، ومدى قانونيتها، ومن يتحمل كلفتها في نهاية المطاف.
اللحوم..الطلب الموسمي وغياب التنظيم
من جهة أولى، يُعزى هذا الارتفاع المفاجئ إلى الطلب الموسمي المرتفع على اللحوم، خاصة مع حلول العيد وما يرافقه من مناسبات اجتماعية مثل العقيقة. هذا الإقبال الكثيف، الذي يحدث في وقت وجيز، يؤدي حتمًا إلى اختلال ميزان العرض والطلب، وهو ما يفتح الباب واسعًا أمام المضاربة ورفع الأسعار.
لكن، لا يقف الأمر عند طبيعة السوق فقط، بل يُطرح سؤال جدي حول مدى استعداد المواطن المغربي لتعديل سلوكه الاستهلاكي بما ينسجم مع الواقع الاقتصادي الصعب.
تجار يرفعون الأسعار.. والمراقبة غائبة
في المقابل، يُتهم عدد من التجار والوسطاء المعروفين بـ”الشناقة” باستغلال هذه المناسبات لتضخيم الأسعار دون مبررات منطقية. هؤلاء يستفيدون من هشاشة آليات الرقابة، وغياب تطبيق فعلي للغرامات الزجرية، ما يشجع على تكرار نفس السيناريو كل عام.
وقد دعت جمعيات حماية المستهلك أكثر من مرة إلى تشديد الرقابة الميدانية، وتنظيم تدخلات الدولة لضبط السوق ومنع التجاوزات التي تُحمّل المواطن البسيط أعباءً لا يتحملها.
لكن المفارقة الكبرى تكمن في سلوك المستهلك المغربي نفسه. فمع كل موجة غلاء، يُلاحظ تهافت غير مبرر من طرف شرائح واسعة، خاصة من الطبقة الكادحة والمتوسطة، نحو اقتناء اللحوم بأي ثمن، حتى وإن كان ذلك على حساب ضروريات الحياة اليومية.
هذا التهافت، الذي لا يراعي لا الظرفية الاقتصادية ولا توجيهات الشرع والدين، يُسهم في رفع الطلب بشكل غير عقلاني، ويُمنح بذلك الضوء الأخضر للمضاربين لفرض الأسعار التي تناسبهم.
من الناحية الدينية، تُذكّر المؤسسات الدينية والوعاظ بأن أضحية العيد سنة مؤكدة، وليست فريضةً على من لا يملك القدرة عليها. غير أن غياب الوعي الديني، وارتباط العيد في المخيال الشعبي بالأكل بدل القيم الروحية، يدفع الكثيرين إلى الاقتراض أو الضغط على ميزانياتهم من أجل اقتناء الأضحية أو اللحوم، ولو كانت خارج طاقتهم.
في المحصلة، لا يمكن حصر أسباب ارتفاع أسعار اللحوم في جهة واحدة فقط، فالأمر ناتج عن تراكم عوامل بنيوية وسلوكية، تبدأ من ضعف الوعي الاستهلاكي للمواطن، وتمر عبر غياب الرقابة الجادة، ولا تنتهي عند استغلال التجار للمناسبات الدينية والاجتماعية.
وإلى أن تُعالج هذه الحلقات المترابطة من الخلل، سيظل المواطن البسيط يدفع فاتورة الاستهلاك غير الواعي، في كل عيد، وفي كل مناسبة.
الوعي الجماعي، وتشديد الرقابة، وتعزيز ثقافة الاستهلاك الرشيد، هي وحدها الكفيلة بكبح جماح الغلاء المتكرر.