قانون التدخين في المغرب..قانون 15.91… موجود على الورق فقط!

هل نحتاج قانونًا جديدًا لمنع التدخين بالأماكن العمومية أم نحتاج فقط إلى تفعيل القانون القديم؟

في خطوة أثارت الكثير من التساؤلات، وضع حزب العدالة والتنمية مشروع قانون جديد لمنع التدخين في الفضاءات العمومية. غير أن المتابعين للسياسة التشريعية في المغرب لم يتأخروا في طرح سؤال بديهي لكنه محرج: لماذا إنتاج نص قانوني جديد بينما يوجد قانون قائم بالفعل منذ أواسط التسعينيات؟

القانون المعني هو 15.91، الذي صادق عليه البرلمان سنة 1996، ونص بشكل واضح على منع التدخين في عدد من الأماكن العمومية. لكن ما حدث بعد ذلك لا يحتاج إلى كثير من التحليل. القانون دخل غرفة الانتظار ولم يغادرها إلا نادرًا. تطبيقه ظل محدودًا جدًا، لا يكاد يُرى إلا في المطارات والمراكز الصحية وبعض الإدارات الأمنية.

تجاهل القانون لا يبرر سنّ قانون جديد

الطبيب الباحث في السياسات والنظم الصحية، الطيب حمضي، كان له موقف واضح من هذه الازدواجية التشريعية. في تصريح إعلامي، اعتبر أن عدم تفعيل القانون 15.91 طيلة ما يقارب ثلاثة عقود يمثل اختلالًا سياسيًا فادحًا وكلفة صحية لا يُستهان بها. فبدل البحث عن نصوص بديلة، يضيف حمضي، كان الأجدر التركيز على تفعيل الموجود بدل إنتاج ما لن يُطبّق.

التدخين السلبي يهدد صحة المغاربة بصمت

المشكلة لا تتعلق فقط بحقوق غير المدخنين، بل بتأثير مباشر على صحة الملايين. أرقام صادمة كشف عنها حمضي، توضح أن ما يقرب من ستة أشخاص من كل عشرة في المغرب يتعرضون للتدخين السلبي بشكل يومي. ويحدث هذا غالبًا في المنازل أو أماكن العمل أو المواصلات.

فثلث المغاربة تقريبًا يعيشون مع التدخين داخل أسرهم. وعدد كبير منهم يعاني من دخان السجائر في مقرات العمل المغلقة، رغم أن النص القانوني واضح في منع هذا السلوك. التناقض بين النصوص القانونية والواقع الميداني يعبّر عن غياب إرادة سياسية واضحة لتطبيق القوانين المرتبطة بالصحة العامة.

هل فشلنا في بناء ثقافة صحية حقيقية؟

المفارقة أن المغرب وقّع على اتفاقيات دولية تنص على محاربة التدخين، بل إن البرامج الوطنية للوقاية من الأمراض المزمنة تصنّف مكافحة التدخين ضمن الأولويات. إلا أن الواقع شيء آخر تمامًا. حيث لا يُلمس أي جهد منهجي لمحاربة التدخين في الفضاءات المغلقة أو تأطير سلوك الأفراد تجاهه.

المدارس والمستشفيات وحتى بعض الإدارات العمومية تشهد حالات تدخين غير مبررة، أمام أنظار الجميع، دون أن يُطبق أي رادع قانوني. وهذا يطرح سؤالًا أكبر عن مدى جدية الجهات المكلفة بحماية الصحة العامة في تنزيل القوانين التي يُفترض أن تحمي المواطن قبل كل شيء.

ما المطلوب اليوم؟

الجواب لا يكمن في كتابة مشروع قانون جديد وتقديمه كإنجاز. بل في الاعتراف بأن هناك تقصيرًا واضحًا في تطبيق ما هو موجود بالفعل. والاعتراف بهذا التقصير يجب أن يُتبعه تحرك عملي لتفعيل القوانين القائمة، وليس تكرار المسلسل نفسه بلغة جديدة.

ولعل الدرس الأهم أن صحة المواطنين ليست مجالًا للزينة التشريعية أو المناورات السياسية. فالوقاية تبدأ من احترام القانون، ومن التعامل مع الصحة العامة كأولوية تتطلب حزمًا لا مجرد نصوص مركونة على الرفوف.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى