في مدينة اسمها سلا، حيث المواطن يشتري حقوقه من ماله الخاص، ويزرع الكهرباء كما يزرع الزيتون، لدينا عمدة اسمه عمر السنتيسي. عمدة لا تُخطئه الكاميرات، ولا يتأخر عن قص الشريط الأحمر لأي حفرة تُردم أو رصيف يُطلى، لكنه يختفي فجأة حين يسأل المواطن: “فين الضو؟ وفين الما؟”
بيوت بلا ماء ولا كهرباء.. والعمدة في برج الحملات
بين أزقة ودادية النهضة بالعيايدة، يعيش المواطن كأنه في أطراف نيبال. لا ماء، لا كهرباء، لا إنارة، فقط صبر على “الفوتيرات” والوعود البالية. والغريب في كل هذا أن العيايدة نفسها كانت تحت حكم السنتيسي لأزيد من عقد من الزمن. الرجل كان يُدير المقاطعة وكأنه مدير أعماله، واليوم يدير مدينة سلا وكأنها “مشروع خاص فيه وما فيه”، ونتيجة كل هذا؟ عشر سنوات من “التدوير في نفس البلاصة”، حيث المواطن يدفع ثمن الخدمات ولا يراها إلا في تقارير المجالس أو في ابتسامة العمدة العريضة على صفحات فيسبوك.
رخص قانونية وخدمات وهمية
الساكنة تتوفر على وثائق رسمية، تصاميم، ترخيصات، وأرشيف من المراسلات، لكن لا وجود لقطرة ماء أو شعاع ضوء. والسبب؟ بسيط جدًا. لأن العمدة ربما مشغول بإعداد جدول أعماله الدولي، أو ربما يخطط للخطاب القادم حول “العدالة المجالية” و”المدينة الذكية”. مدينة ذكية؟ بالله عليكم، كيف لمدينة ذكية أن يعيش سكانها وسط أسلاك كهربائية عشوائية، ويستنشقون غبار الأزقة بدل الأوكسجين؟
السنتيسي.. حين يتحول المنتخب إلى “فوتوجينيك”
من يتابع أنشطة العمدة سيعتقد أنه نجم من نجوم الإنستغرام أكثر منه مسؤولًا عن ثاني أكبر مدينة في المغرب. كلما التقط صورة وهو يزرع شجرة، يظن أن المدينة أصبحت خضراء. كلما حضر ندوة عن الرقمنة، يتخيل أن سكان سلا صاروا يطلبون الماء عبر التطبيقات. لكن الحقيقة شيء آخر تمامًا: مواطن يسير على طريق موحل، يضيء منزله من عمود الجيران، ويغتسل من قنينة معدنية.
سلا الجميلة… من بعيد فقط
ما يثير الغضب أكثر هو ولع الجماعة بتزيين “واجهة” المدينة. أما الخلفية؟ فهي حيث يسكن “الرعاع”، الذين لا يستحقون كهرباء ولا ماء، بل فقط الصبر. ألم يكن من الأجدر، بدل تلميع وسط المدينة، توفير الحد الأدنى من الحياة في العيايدة، واحترام من صوتوا وعلقوا الآمال على رجل كان يعرف الحي دربًا دربًا؟
خلاصة القول: السي عمر، فينك من هاد الشي؟
إذا كانت السياسة فنًّا، فعمر السنتيسي حولها إلى فنّ استعراض، وإذا كانت المسؤولية تكليفًا، فقد حولها إلى فرصة للترويج الذاتي. والساكنة؟ هي في مكان آخر، تحفر الأرض بحثًا عن “الكهرباء” كما يحفر العلماء عن النفط.
فهل ننتظر من العمدة خطوة شجاعة، مثل الاعتراف بالفشل أو النزول للميدان؟ أم علينا الانتظار حتى يظهر في صورة جديدة مع شتلة زيتون جديدة، قرب لوحة كتب عليها: “هنا تبدأ التنمية… من الصفر من جديد”؟