صراع وزاري داخل وزارة الشغل… يبدو أن قلة الشغل قاتلة فعلًا!

في المغرب، يبدو أن وزارة الشغل قررت أخيرًا أن “تشتغل”… ولكن ليس على ما يفترض أن تشتغل عليه، بل على صراع داخلي محموم بين وزير وكاتب دولة، كلاهما من نفس الحزب، وكلاهما داخل نفس الوزارة، وكلاهما، للمفارقة، لم يخلق ولو فرصة شغل واحدة منذ تسلمهما المنصب.

قبل أيام فقط، وجه كاتب الدولة المكلف بالشغل دعوة إلى بعض النقابات في إطار ما يسمى “الحوار الاجتماعي”. دعوة خجولة، متأخرة، لكنها على الأقل كانت تبدو وكأن هناك نية فعلية لتحريك المياه الراكدة. غير أن الخبر لم يعجب زميله في الوزارة، وزير الشغل، الذي أطلق رده الفوري بعقد اجتماع مضاد، مع نقابات أخرى جاهزة دائمًا للقاء أي مسؤول، كيفما كان، وفي أي وقت، ولو على سلم الوزارة!

وزارة تشتغل… على نفسها!

بالمختصر المفيد، ما شاهدناه ليس “حوارًا اجتماعيًا” بقدر ما هو صراع حزبي داخلي بلبوس رسمي. وزارة تحولت إلى حلبة ملاكمة إدارية، يتراشق فيها أعضاؤها الاجتماعات كما يُتراشق الآخرون البلاغات. في الظاهر، الأمر متعلق بالحوار مع النقابات، لكن في العمق، الصراع يدور حول من يضع توقيعه أولًا، ومن يخرج في الصورة، ومن سيحجز لنفسه مساحة في نشرة الأخبار.

ولا أحد من الطرفين يبدو معنيًا فعليًا بالشغل أو بالبطالة أو بالقطاع غير المهيكل أو بتسرب الكفاءات إلى الخارج أو بضعف الحد الأدنى من الأجور أو حتى بمصير آلاف العاطلين الذين أصبحوا لا يؤمنون لا بالحكومة ولا بوزاراتها.

وزارة بلا أثر… ووزراء بكثرة

الواقع يطرح سؤالًا بسيطًا ومعقدًا في آن: ما جدوى وجود وزارة بهذا الحجم، بهذا العبء، بهذا الطاقم، دون أن تكون لها أي نتائج تُذكر؟
وإذا كان كل هذا النزاع يدور حول اجتماعات شكلية، فماذا عن الجوهر؟ ماذا عن النتائج؟ عن البرامج؟ عن المبادرات؟ عن الإصلاح؟
الصمت هو الجواب.

قد يقول قائل إن ما يحدث “طبيعي” في ظل دينامية حزبية داخلية. لكن الحقيقة أن ما يجري ليس طبيعيًا، بل كاريكاتوريًا بامتياز. فنحن لا نتحدث عن نقاش فكري بين وزير وكاتب دولة، بل عن استعراض عضلات سياسية على ظهر مؤسسة تنفيذية عاجزة حتى عن صياغة بلاغ يُقنع الناس بأنها موجودة فعليًا.

ما يجري داخل الوزارة، في تقدير كثير من المراقبين، أقرب إلى مسلسل درامي قصير الحلقات، رديء السيناريو، مليء بالتكرار وسوء الإخراج. صراع غير منتج، لا هدف له سوى تصفية حسابات داخلية مؤجلة، على حساب مؤسسة لا أحد يتابع أخبارها أصلًا إلا حين تقع هذه المشاهد “الغرائبية”.

والأنكى أن الوزارة، منذ تشكيل الحكومة، لم تعلن عن خلق فرص شغل حقيقية، لا في القطاع العام ولا في الخاص، ولا حتى عبر الشراكات الدولية. إذًا، على ماذا تشتغل بالضبط؟ الجواب سهل وصادم: تشتغل على “قلة الشغل”، وتُعيد تدوير الاجتماعات بين من يعارض ومن يناور، بينما الواقع يزداد قتامة، والبطالة تنتشر كما النار في هشيم الأمل.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى