
رئاسة الحكومة تُفجّر جدلًا رقميًا: ثلاث مليار لتحديث “منصة معلوماتية”
من التقشف إلى الترف.. أين الحكامة؟
في وقت لا تتوقف فيه رئاسة الحكومة عن التذكير بضرورة ترشيد النفقات، وتوجيه الوزارات لتقليص المصاريف وحتى تجميد بعضها، تفاجأ الرأي العام بإعلان رسمي عن صفقة عمومية جديدة من طرف رئاسة الحكومة نفسها. صفقة غريبة ومكلفة، تتعلق بتركيب منصة معلوماتية جديدة وتحديث البنية التحتية الرقمية، والمثير أكثر أنها تجاوزت كلفتها ثلاث مليارات سنتيم.
فهل هو زمن شدّ الحزام أم زمن شد الأسلاك؟
“منصة ذكية” بأموال كثيرة
الوثائق التي خرجت للعلن تُشير إلى أن الصفقة تتضمن خوادم جديدة من النوع المتطور، أنظمة تخزين احترافية، وأيضًا برامج تُرخص خصيصًا مثل VMware، وهي أسماء كبرى في السوق لا تملكها كل الشركات، وهذا ما قد يُقصي عددًا كبيرًا من المقاولات الوطنية التي لا تتوفر على نفس العلامات التجارية.
وهنا يُطرح تساؤل مشروع: هل فعلا الهدف هو تحديث الإدارة أم فقط فتح الباب أمام شركة بعينها؟
هل الدولة بلا مؤسسات رقمية؟
في هذا السياق، يصعب على المتابع أن يفهم لماذا اختارت رئاسة الحكومة أن تلجأ إلى صفقة مكلفة من هذا النوع، بدل التنسيق مع مؤسسات موجودة أصلًا ومكلفة رقميًا مثل وكالة التنمية الرقمية أو وزارة الانتقال الرقمي، وهي جهات لها نفس الاختصاص ويمكنها توفير الخدمات بتكلفة أقل بكثير، خصوصًا أن الجميع يتحدث عن الحكومة الرقمية والتحول الذكي.
لكن بدل البناء على الموجود، اختارت الحكومة أن تُعيد الاختراع من الصفر وتُغرق الإدارة بتجهيزات جديدة، وكأن الميزانية لا تحتاج لترشيد.
صمت رسمي.. وغضب شعبي
المثير أكثر أن لا أحد من رئاسة الحكومة خرج لتبرير هذه الصفقة أو الدفاع عنها، رغم أن الأصوات بدأت ترتفع، سواء داخل الإدارة أو خارجها. فالشارع الذي يعاني من الغلاء والبطالة وغياب الخدمات لا يتفهم بسهولة كيف يمكن صرف ملايين الدراهم على معدات رقمية، بينما المستشفيات تئن والمدارس العمومية تُصارع.
المعادلة واضحة: إما أن التقشف على الجميع أو لا أحد.
ختامًا.. من يحاسب من؟
في الوقت الذي تطالب فيه الحكومة الجميع بالشد على الحزام، تُوقّع هي على صفقات ثقيلة لا يراها المواطن ضمن أولوياته، بل تعتبرها فخًا جديدًا للميزانية، خاصة وأن الرقمنة لا تعني دائمًا صرف الملايين، بل أحيانًا القليل من التنسيق وكثير من الإرادة.
ويبقى السؤال معلقًا: من يراقب إنفاق من يُراقب الآخرين؟