
الصويرة: مائدة مستديرة تشدد على تعزيز رؤية التعاونيات كرافعة للتنمية المستدامة في إفريقيا
الاخبار24.. أباظة هشام
الصويرة: مائدة مستديرة تشدد على تعزيز رؤية التعاونيات كرافعة للتنمية المستدامة في إفريقيا
في إطار فعاليات الدورة الحادية عشرة للجنة التقنية للمؤتمر الوزاري الإفريقي للتعاونيات، نظمت مدينة الصويرة يوم الثلاثاء مائدة مستديرة تحت شعار “إشعاع التعاونيات .. رافعة لمستقبل إفريقيا”، حيث ناقش المشاركون سبل تعزيز دور التعاونيات في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في القارة الإفريقية. وتم التأكيد على أن تعزيز رؤية التعاونيات في إفريقيا يُعد رهانًا استراتيجيًا يسمح لهذه البنيات التعاونية بلعب دور حيوي في تحقيق التنمية المستدامة والشاملة في القارة.
التعاونيات: أداة حيوية لبناء مستقبل إفريقيا
أوضح المتدخلون في اللقاء أن الرؤية ليست مجرد واجهة أو شعار فارغ، بل هي أداة استراتيجية أساسية تساهم في تموقع التعاونيات على الساحة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. كما أنها تفتح أمامها الأفق للوصول إلى الموارد الضرورية، سواء من حيث التمويل أو الشراكات أو الأسواق المهيكلة التي تعد أساسية لتطوير هذه التعاونيات.
في هذا الصدد، أكدت عائشة الرفاعي، مديرة مكتب تنمية التعاون، في كلمتها بالمناسبة، أن أكبر 300 تعاونية في العالم تحقق رقم معاملات سنويًا يقدر بحوالي 2000 مليار دولار، مما يبرز الإمكانات الاقتصادية الهائلة التي يمكن أن توفرها هذه النماذج التعاونية على المستوى العالمي. وأشارت الرفاعي إلى أن التعاونيات الإفريقية لا تزال تعاني من نقص في الاعتراف المؤسساتي والسياسي، مما يحد من قدرتها على الاستفادة من التمويل، والصفقات العمومية، ودخول الأسواق المهيكلة.
وأوصت الرفاعي بضرورة الابتعاد عن منطق الدعم التقليدي، داعية إلى إنشاء تعاونيات حديثة ومرئية وفعالة تتمتع بإمكانية الوصول إلى الأدوات والموارد اللازمة لتنميتها. كما شددت على أهمية تعزيز هيكلة القطاع التعاوني، وتشجيع الابتكار وريادة الأعمال التعاونية، مع تعزيز إدماج الشباب والنساء في هذه العمليات.
أهمية رؤية ذاتية ومتجذرة للتعاونيات الإفريقية
بدورها، دعت بشرى رحموني، مديرة مختبر الابتكار الاجتماعي بجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية، إلى ضرورة تبني رؤية “ذاتية ومتجذرة” للتعاونيات الإفريقية، رؤية تستند إلى السرديات والهويات والديناميات المحلية التي تميز القارة الإفريقية. وأوضحت رحموني أن هذه الرؤية يجب أن تكون أداة حقيقية للشرعية والتموقع الاستراتيجي والسلطة الاقتصادية، مما يسمح للتعاونيات بالوجود الكامل في الفضاء العمومي، الاقتصادي، الثقافي، والمؤسساتي.
وقد أشارت رحموني إلى الواقع القاسي الذي يعيشه العديد من التعاونيات في إفريقيا، حيث لا يمتلك أقل من 10 في المائة من التعاونيات الإفريقية موقعًا على شبكة الإنترنت، كما أن أقل من 20 في المائة منها لديها القدرة على الوصول إلى الأسواق المهيكلة. وهذا الوضع، حسب رحموني، يجعل جزءًا كبيرًا من الاقتصاد التعاوني في إفريقيا بعيدًا عن دائرة الضوء، رغم ديناميكيته الكبيرة، وإبداعه، وصموده في مواجهة التحديات.
النموذج الكيني: تجربة قابلة للتطبيق
استعرض ديفيد أوبونيو، مفوض التعاونيات في كينيا، تجربة بلاده كنموذج ناجح في دعم التعاونيات، مشيرًا إلى أن القطاع التعاوني في كينيا يُعتبر من أكثر القطاعات تطورًا في إفريقيا. وقد نجح هذا القطاع في جمع أكثر من 13.8 مليار دولار من الأصول، ويُعبئ حوالي 9.2 مليار دولار من المدخرات، و8.5 مليار دولار من القروض الممنوحة. ويغطي هذا القطاع العديد من المجالات، بما في ذلك الفلاحة، المالية، النقل، والإسكان. وأكد أوبونيو أن هذا النجاح يعود إلى سياسة عمومية إرادوية لدعم وتعزيز القطاع التعاوني في كينيا.
تعزيز هيكل التعاونيات لتحقيق أهداف التنمية المستدامة
وأشاد باقي المتدخلين من عدة دول إفريقية بضرورة تعزيز هيكل التعاونيات ورؤيتها وشرعيتها لتصبح فاعلًا حقيقيًا في تحقيق أهداف التنمية المستدامة على المستوى القاري. وفي هذا السياق، أكدوا على أهمية التعاونيات في مجالات متعددة مثل الإدماج الاقتصادي للشباب والنساء، والأمن الغذائي، والتحول البيئي، وتعزيز المرونة الإقليمية.
وشدد المشاركون على ضرورة اعتماد استراتيجيات قارية ووطنية متكاملة تستند إلى بيانات موثوقة ورؤية مشتركة حول الدور التاريخي والمعاصر للتعاونيات في المجتمعات الإفريقية. كما دعا الخبراء إلى تحسين جمع ونشر البيانات حول التعاونيات، وهو ما يُعد خطوة أساسية لتحسين فهم واقع القطاع التعاوني وتحقيق استفادة حقيقية منه على المستوى القاري.
مائدة مستديرة مفعمة بالحوار والإبداع
كانت المائدة المستديرة التي أُقيمت خلال الدورة الـ11 للجنة التقنية للمؤتمر الوزاري الإفريقي للتعاونيات فرصة لتبادل الخبرات والتجارب بين البلدان الإفريقية في مجال تطوير التعاونيات. وقد شهد هذا اللقاء حضور مجموعة متنوعة من الخبراء والممارسين في القطاع التعاوني، والذين تطرقوا بشكل خاص إلى أهمية تعزيز الأطر المؤسساتية والتشجيع على الابتكار في ممارسات التعاونيات.
واختتم المشاركون اللقاء بالتأكيد على أن رؤية استراتيجية وواضحة للتعاونيات الإفريقية، بالإضافة إلى تعزيز الشراكات الاستراتيجية، تمثلان الأساس لتحقيق تنمية مستدامة وشاملة في القارة. وقد أشاروا إلى أن هذا النهج سيمكن التعاونيات الإفريقية من مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية في ظل عالم يتسم بالتحولات السريعة.
تعتبر الدورة الـ11 للجنة التقنية للمؤتمر الوزاري الإفريقي للتعاونيات بمثابة محطّة تاريخية لإرساء الأسس التي ستساهم في تعزيز وتطوير التعاونيات في إفريقيا. من خلال هذا اللقاء، تم تسليط الضوء على أهمية تبني رؤية استراتيجية واضحة لتعزيز الشرعية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للتعاونيات، وهو ما يُعتبر خطوة حاسمة نحو تمكين هذه التعاونيات من تحقيق دورها الكامل في بناء إفريقيا أكثر ازدهارًا وعدلاً.