أموال الأحزاب تحت المجهر: تقرير صادم يكشف اختلالات بملايين الدراهم

أموال..أصدر المجلس الأعلى للحسابات بتاريخ 27 ماي 2025 تقريره السنوي المتعلق بتدقيق حسابات الأحزاب السياسية برسم سنة 2023، وذلك في إطار المهامه الرقابية المقررة بموجب دستور المملكة والقوانين التنظيمية ذات الصلة. وقد ركّز التقرير على فحص سلامة التصريحات المالية المتعلقة بالدعم العمومي الممنوح للأحزاب لتغطية نفقات التسيير وتنظيم المؤتمرات الوطنية العادية، مع رصد مدى احترام هذه الهيئات للمعايير المحاسبية المعتمدة.

أغلب الأحزاب قدّمت حساباتها… لكن بعضها تخلّف عن الموعد

.أشار التقرير إلى أن 27 حزبًا من أصل 33 قدّموا حساباتهم المالية للمجلس، وهو ما يشكّل تطورًا إيجابيًا نسبيًا، إلا أن 22 حزبًا فقط التزموا بالآجال القانونية المحددة لتقديم هذه التصريحات.

ومن بين الحسابات المقدّمة، خضعت 19 منها لمصادقة خبراء محاسبين، بينما تم تسجيل تحفظات مهنية بخصوص أربع حسابات. وفي المقابل، لم تخضع أربع حسابات أخرى لأي عملية تدقيق مهني خارجي، ما يثير تساؤلات حول مدى موثوقيتها.

كما لاحظ المجلس مجموعة من النواقص الشكلية والمضمونية، من أبرزها غياب الجداول التكميلية لدى سبعة أحزاب، وعدم تقديم الكشوفات البنكية كاملة من طرف ثلاثة أحزاب، إضافة إلى افتقار ثلاثة أحزاب لتبريرات دقيقة لمصاريف الدعم العمومي.

مداخيل ذاتية غير موثقة واحتمالات خرق للضوابط القانونية

في ما يتعلق بالموارد المالية الذاتية، رصد المجلس الأعلى للحسابات عدّة اختلالات على مستوى إثبات مصادر المداخيل. وبلغت قيمة المداخيل غير المثبتة أو غير القانونية نحو 1,72 مليون درهم، وهو ما يعادل 1,64% من مجموع الموارد المصرح بها خلال سنة 2023.

وتوزعت هذه النواقص بين مداخيل لم يتم دعمها بالوثائق القانونية اللازمة، وأخرى تم تحصيلها نقدًا بما يتجاوز الحدود القانونية المنصوص عليها، ما قد يشير إلى وجود ثغرات في مراقبة عملية التمويل الذاتي للأحزاب.

نفقات غير مثبتة وأوجه صرف تفتقر للمشروعية

سجّل التقرير أيضًا أن قيمة المصاريف غير المثبتة أو غير المطابقة للقانون بلغت ما يقارب 5,73 ملايين درهم، وهو ما يمثل 6,27% من مجموع النفقات المصرح بها. ورغم أن هذه النسبة أقل من تلك المسجّلة خلال سنة 2022 والتي بلغت حينها 26%، إلا أنها تظل مؤشّرًا مقلقًا على وجود استمرار في ضعف الحكامة المالية لبعض التشكيلات السياسية.

وتضمنت الملاحظات المرتبطة بالنفقات عدة حالات لغياب الفواتير، أو عدم مطابقة طرق الأداء لمقتضيات القانون، بالإضافة إلى بعض أوجه صرف لم يتم تبريرها بوضوح.

مبالغ دعم غير مستحقة لم تُرجع بعد

كشف المجلس أن 24 حزبًا أعادوا إلى خزينة الدولة ما مجموعه 35,92 مليون درهم بين سنتي 2022 ومارس 2025، في إطار استرجاع مبالغ الدعم غير المستعمل أو غير المستحق.

لكن في المقابل، لم تقم 15 حزبًا بإرجاع ما مجموعه 21,96 مليون درهم، تخص دعم الحملات الانتخابية ومصاريف التسيير، ما يطرح إشكالية واضحة في احترام التزامات الإرجاع والامتثال للتوصيات المالية للمجلس.

نواقص في المحاسبة واحترام النماذج الرسمية
أبرز التقرير عددًا من الاختلالات الهيكلية في التدبير المحاسبي، حيث لم يقم 15 حزبًا بإدراج مبالغ الدعم الواجب إرجاعها ضمن سجلاتهم المالية، وسجّل وجود أخطاء محاسبية لدى 11 حزبًا. كما لم تحترم ثمانية أحزاب النماذج المحاسبية الموحدة، في حين افتقرت أربعة أحزاب إلى بعض المبادئ الأساسية للمحاسبة، مثل مطابقة التوازن المالي والتمييز بين النفقات الجارية والاستثمارية.

الدعم الإضافي لسنة 2022: تجاوب محدود من الأحزاب
فيما يتعلق بالدعم الإضافي الذي خصصته الدولة سنة 2022 لتحفيز الأحزاب على تجديد هياكلها وتحديث آلياتها، كشف المجلس أن فقط ثلاثة أحزاب قدّمت نتائج الدراسات التي أنجزتها بهذا الخصوص، بينما قامت أربعة أخرى بإرجاع مبلغ 2,03 مليون درهم إلى خزينة الدولة كخطوة لتسوية وضعيتها القانونية.

توصيات لتعزيز الشفافية والمساءلة
خلص التقرير إلى ضرورة تعزيز آليات الرقابة الداخلية داخل الأحزاب، وتشجيعها على اعتماد ممارسات محاسبية شفافة ومنضبطة، مع احترام الآجال القانونية والمقتضيات التنظيمية المرتبطة بالدعم العمومي.

وفي سياق النقاش العمومي حول التمويل السياسي في المغرب، يعيد هذا التقرير إلى الواجهة مطلبًا قديمًا-جديدًا، يتمثل في ربط التمويل العمومي بالأداء الحزبي، وشفافية التدبير، ومردودية العمل السياسي.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى