أزمة الجزائر العميقة: الجيش يُقصي رجال تبون ويُعيد أشباح الماضي إلى الواجهة

عندما يتحوّل رئيس الدولة إلى رهينة لصراع الأجنحة داخل المؤسسة العسكرية، تصبح معركة النفوذ في الجزائر أكثر من مجرد تصفية حسابات. إنها إعادة توزيع للسلطة على أنقاض الشرعية، وتحذير مبطن بأن عهد تبون قد بدأ بالعد التنازلي.

إقالة فجائية تكشف المستور

في خطوة فُسرت على نطاق واسع بأنها ضربة من العيار الثقيل ضد مؤسسة الرئاسة، أطاح الجيش الجزائري بشكل مفاجئ بكل من ناصر الجين، المدير العام للأمن الداخلي، وعلي بداوي، المدير العام للأمن الوطني. القرار لم يكن بروتوكوليًا، بل جرى بأسلوب فجّ، يعكس طبيعة الصراع الخفي بين جنرالات المؤسسة العسكرية والرئيس عبد المجيد تبون، الذي بدا معزولًا أكثر من أي وقت مضى.

الجنرال شنقريحة يحسم المعركة

مصادر مقربة من دوائر القرار أفادت بأن الإقالة جاءت بأمر مباشر من الفريق سعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش، بسبب ما وُصف بتورط المسؤولين المعفيين في تحالفات “مفرطة” مع الدائرة الضيقة للرئيس، وخاصة رجل الظل بو علام بو علام. هذا الأخير يُنظر إليه في أوساط العسكريين باعتباره رجل تبون الأول، والمُتحكم الفعلي في أجندة الرئاسة، وهو ما لم يعد مقبولًا في ميزان القوى الداخلي.

الرئيس الضعيف في مرمى النيران

تبون، الذي راهن على إعادة تشكيل أجهزته الأمنية لضمان الولاء في أفق الانتخابات الرئاسية، وجد نفسه فجأة عاريًا من الحماية المؤسسية. فكلما حاول الرجل شد أطراف السلطة نحوه، جاء الرد العسكري حاسمًا. في نظر جنرالات الجيش، الرئيس لا يُشكل فقط عبئًا دبلوماسيًا خارجيًا، بل أصبح مصدر توتر داخلي بفضل نهجه الفردي وتشبثه بدوائر لا تحظى بالقبول داخل المؤسسة العسكرية.

الجزائر تسبح ضد التيار الإقليمي والدولي

في ظل هذا الارتباك السياسي والأمني، تعاني الدبلوماسية الجزائرية من عزلة غير مسبوقة. لا وزن فعلي في الملف الليبي، ولا اختراق حقيقي في الساحل الإفريقي، أما في علاقاتها مع أوروبا والخليج وروسيا، فالوضع لا يقل ارتباكًا. كل هذا يُضاف إلى أزمة اقتصادية خانقة، ومجتمع فقد الثقة في مؤسساته.

عودة “الجنرال حسن”: هل هي إنقاذ أم انتحار مؤسساتي؟

الأكثر إثارة هو تعيين الجنرال عبد القادر آيت وعرابي، المعروف بلقب “الجنرال حسن”، على رأس جهاز الاستخبارات. اسمٌ من زمن الرصاص، ارتبط بسنوات القمع والاختطاف، وأدين سابقًا في قضايا خطيرة. هذا التعيين يُقرأ كرسالة صارخة مفادها أن النظام بات على استعداد لإحياء رموزه القديمة من أجل ضمان البقاء، ولو كلفه ذلك السقوط في قبضة التاريخ من جديد.

الانقلابات الناعمة تتوالى

في عهد تبون، فقدت الجزائر الاستقرار المؤسساتي بشكل واضح. أربعة مدراء عامين تعاقبوا على رأس الشرطة، وخمسة عشر مسؤولًا على رأس الاستخبارات. إيقاع متسارع لعزل وتعيين لا يُسعف في بناء جهاز أمني قوي، بل يؤكد أن الدولة تسير بمنطق الخوف، لا بمنطق الدولة.

النهاية مفتوحة.. ولكن الطريق وعرة

في ظل هذه الفوضى، لا أحد يستطيع التنبؤ بما ستؤول إليه الأمور. لكن المؤشرات كلها تصب في اتجاه واحد: الجيش يستعد لإغلاق قوس تبون، والتفكير في ترتيب بيت الحكم وفق مقاسات أكثر انضباطًا. ومع ذلك، يبقى السؤال الأهم: هل تملك الجزائر ترف تكرار سيناريوهات الماضي، أم أن ساعة الحقيقة اقتربت أكثر مما يتصور الجميع؟


اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى